فيض الأحلام
في العشرين تكون الأحلام فيضك .. في السنين التي تليها تصبح بقاياك ...ولدت حالماً وأعتقدت خطأ أن الهروب إلى الحلم الجميل أرقى من ملازمة الحقيقة غير الجميلة .
حلمت بالسفر وراء المدن والتاريخ والحكايات وتيه الحدائق العامة وضفاف الأنهر أينما كانت ...المهم أن ينسيك فندق هادئ على ضفة النهر الحنين الى الوطن .. لا تحاكي على شرفاته سوى الصمت والعزلة والطيور العائدة ..." أركب آلاف القطارات .. حقيبة واحدة أحملها فيها عناوين حبيباتي ، فنادق العالم لا تعرفني ولاعناوين حبيباتي ، لا رصيف لي أقصده في كل رحلاتي أرصفتي جميعها هاربة ....هاربة مني محطاتي " كما قال نزار في قطار الحزن الذي امتطاه و وقعت أنا في غرامه فعشقت عالم القطارات الهادئ ... ترى كل ماتمر به من بيوت وشوارع وأضواء ناعسه و سهول وحقول ترى وجوه الناس وتعدد البشر و الطباع والطبقات ....
و عندما تترجل منها إلى اليابسة يودعك رفاق الطريق المكملون رحلتهم بدفء ومحبة ويظلون يلوحون لك وأنت تجرجر حقيبتك على رصيف المحطة .. لاهم يعرفون إلى أي حياة تمضي ولا أنت تعرف لماذا تنتهي القصص الجميلة بهذه السرعة !
ربما شكل طردي من أول محاضرة " رسم هندسي " بداية حبي للسفر بالقطار ... لم أكن قبلها قد أقلني قطار وذلك الدكتور المتحاذق يطردني لأني وصلت متأخراً للمحاضرة سبع دقائق .... " هو أنتم في بلدكم لما بتيجوا تركبوا القطر بتوصلوا في معاده وللا متأخرين عنه سبع دقائق ؟! " ... قلت له ببراءة سن ماقبل العشرين : في بلدنا لايوجد قطار !! ..
- " ماهي بلدكم بلد متخلفه .... إزاي مافيهاش قطر ؟!! "
قلت في نفسي ... لو كانت بلدنا متخلفه لعدم وجود قطار فيها لكان الأمر هينا يا دكتور !! "
ربما بعدها كان الوطن هو أجمل شيء أحمله معي في عربات القطار ... تستحضره معك في وحدتك ويهدهدك في سرير البعد والحنين وربما يدعوك جمال المشهد أمامك أن تتمتم ببعض موسيقى أيوب ....ذلك الصوت الآسر الذي جعل حكايات الحب في أرياف اليمن تبدو أحلى مما هي ... و صورة اليمن أكبر وأجمل و أشجى مما هي عليه !! وربما بعدها أيضاً كنت حريصاً على أن أركب القطار حتى قبل ميعاده ... على الأقل حتى لا أقع في حسرة فاروق جويده حين نسي ميعاد قطار حبيبته
" في كل يوم أبعث الآمال في قلبي ...فأنتظر القطار ...
الناس عادت والربيع أتى ...وذاق القلب يأس الإنتظار ...
أترى نسيت حبيبتي ....؟
أم أن تذكرة القطار تمزقت ... وطويت فيها قصتي ؟
يا ليتني قبل الرحيل تركت عندك ساعتي ..
فلقد ذهبت حبيبتي ! ...ونسيت ميعاد القطار !!..."
تعليقات
إرسال تعليق